Page 89 - web
P. 89
موضوع العدد مقالات وآراء
مراكز العلاج الطبي والتأهيل الاجتماعي د .عبد العزيز بن مسفر آل موسى
ودورها في الوقاية من المخدرات جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية
لا جديـد على السـاحة فيمـا يخـص آفـة المخـدرات؛ فيو ًمـا بعـد يـوم تتفـق هيئـات مكافحـة المخـدرات 88
والقضـاة والعل ـماء والأط ـباء والاقتصاديـون وعل ـماء النفـس والاجت ـماع أن إح ـصاءات هـذه الآفـة في ازديـاد
وأن السياسـات العديـدة المتبعـة على مـدى عقـود مـن الزمـن وعلى جميـع الأصعـدة مـا زالـت عا ـجزة ولـم
تجـ ِد نف ًعـا عـن مجابهتهـا أو التخفيـف مـن أضرارهـا .فالسـجون امتألت بالمدانني والمحاكـم اكتظـت أروقتهـا
وأعيتهـا قضايـا هـذه الجريمـة -والجرائـم المترتبـة عليهـا – والحكومـات مـا زالـت خزائنهـا ُتسـتنزف وطاقـات
رجالها ُتستنفر من أجل محاربة هذه الآفة ،ومع كل هذا فإن الفشل في أغلب الأحوال هو العنوان .وهنا
يربز السـؤال الكبير :لمـاذا؟
لن أتحدث عن مسـببات زيادة هذه الآفة على المسـتوى العالمي ولكني سـأتناول هذه الآفة من زاوية أخرى
ومـن بعـد آخـر ضمـن إ تسراتيجية أشـمل ،وهـي ات ـباع سياسـة تخفيـف الضـرر Harm Reductionومـن
أهـم أعمـدة هـذه السياسـة مراكـز العلاجـي الطبـي والتأهيـل والنفسي لمدمنـي المخـدرات.
إن هـذه المراكـز تعـززت أهميتهـا مـن واقـع تجربـة شـخصية مر ـيرة مـن ـجراء إصابتـي ب ـعرض صحـي اسـتلزم
إعطـائي مسـكنات قويـة للتغلـب على الآلام المبرحـة التـي لا تطـاق ومـا عانيتـه بعـد ذلـك بعـد أن قـرر الأط ـباء
الاكت ـفاء بمـا تـم إعطـاؤه والاسـتعانة بمضـادات الألـم العاديـة .في الحقيقـة وعلى الرغـم مـن أن مـا تـم
إعطـائي متعـارف عليـه في البروتو ـكولات الصحيـة للتخفيـف مـن الآلام في الحـالات الشـديدة .فبعـد إيقـاف
اسـتعمالها – بـل في أثنائهـا -عرفـت معنـى الإدمـان وخطورتـه على المـدى البعيـد وكـم سيسـتغرق الجسـم –
والتفكير -مـن الوقـت للتكيـف مـن دونـه.
حقيقـة ول ـكوني كنـت تحـت الرعايـة الطبيـة تمكنـت مـن التغلـب على أ ـعراض الانق ـطاع ولـو بصعوبـة ,حيـث
كان الفريق الطبي يقلص جرعات علاج مضادات الألم بطريقة تدريجية مع توافر الإرادة والدعم النفسي
والاجتماعـي مـن العائلـة والأقـارب وحتـى على مسـتوى العمـل ،فقـد تجـاوزت تلـك المرحلـة العصيبـة في
حيـاتي وللـه الحمـد والمنـة.
وقـد تذ ـكرت هـذه الجزئيـة (التخلـص مـن الاعتمـاد على مسـكنات الألـم) ضمـن التجربـة المر ـيرة الأكرب
التـي تجاوزتهـا وللـه الحمـد أث ـناء تواصـل الزمالء معـي في هـذه المجلـة العز ـيزة وتشـريفهم لي بالكتابـة
عـن مو ـضوع هـذا العـدد (المخـدرات) تذ ـكرت هـذه التجربـة وعلاقتهـا بمو ـضوع معالجـة آفـة المخـدرات التـي
لا ـتزال ترمـي الأ ـفراد والمجتمعـات بشـرورها المد ـمرة .وللأسـف فإنهـا في زيـادة مسـتمرة ولـم ي ُلـح في الأفـق
القريـب بـوادر مب ـشرة تنـذر بأفولهـا أو حتـى تناقـص ضررهـا.
من خلال تجربتي الشخصية يمكنني الخروج بفائدة ودرس طالما نادى به وأكد أهميته والتوسع فيه كل
مـن عمـل في مجابهـة هـذا الـداء وهـذه الجريمـة المعقـدة مـن الأط ـباء والمختصني النفسـيين والاجتماعيني
والباحثني وحتـى مـن رجـال المكافحـة والوقايـة في أج ـهزة الأمـن ألا وهـو مراكـز التأهيـل العلاجـي والنفسي
لمدمنـي المخـدرات.
الأمـر الآخـر الـذي اسـتوعبته جيـ ًدا أن ك يث ًرا ممـن أدمنـوا المخـدرات تناولوهـا في البدايـة ليـس لأنهـم أنـاس
فيهـم الشـر غر ـيز ًة ،وإنمـا لظـروف نفسـية واجتماعيـة وم ـشاكل حياتيـة عصفـت بهـم ولـم يجـدوا مـن
يسـاعدهم ومـن يقـف معهـم في محنتهـم حتـى تنجلي تلـك العواصـف .ونتيجـة لذلـك تأكـدت لي أهميـة
مراكـز التأهيـل العلاجـي والنفسي لمدمنـي المخـدرات بمـا لا ـيدع مجـا ًل للتشـكيك في فعاليتهـا تجـاه تخفيـف
آفـة تعاطـي المخـدرات؛ لكونهـا السـبيل القـوي للتصـدي لآفـة المخـدرات؛ فبهـا سـيقل الإدمـان ومعـه تتعـزز